- السيرة / ٠1السيرة النبوية
- /
- ٠1هدي النبي صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحد شروط النجاة من الهلاك :
أيها الأخوة الكرام: قال العلماء: "هناك في الإسلام فريضة سادسة, - الصيام, والصلاة, والحج, والزكاة, وشهادة أن لا ﺇله إلا الله, هي فرائض الإسلام الخمس- هي الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر".
النقطة في هذا الموضوع: أن الإسلام إما أن يكون قضية وجود, أو عدم وجود, يكون الإسلام أي يوجد, ويستمر, ويتنامى بالأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, وحينما وصف الله هذه الأمة بأنها خير أمة أخرجت للناس, ذكر في الآية نفسها علة الخيرية, علة خيريتها أنها تأمر بالمعروف, وتنهى عن المنكر, وتؤمن بالله, فإذا تركت هذه الأمة هذه الفريضة السادسة فقدت خيريتها, وأصبحت أمة سماها العلماء: أمة التبليغ, وهي كأية أمة لا فضل لها إطلاقاً, والله عز وجل يجعل التواصي بالحق ربع النجاة:
﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾
لذلك: جُعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحد شروط النجاة من الهلاك, وحينما تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر تحافظ على وجودك, لأن دوائر الباطل تتنامى, فالحق إن لم يتنام ضيق عليه الباطل وألغى وجوده.
من نتائج عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استحقاق اللعنة من الله :
من هنا عقدت أبواب كثيرة في كتب الحديث الصحيحة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال:
((سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من رأى منكُم منكراً فلْيُغَيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))
وطبعاً الأمر يقتضي الوجوب, الأمر في القرآن يقتضي الوجوب, والأمر في السنة الصحيحة يقتضي الوجوب, والله ما كلفك ما لا تطيق, وحينما ينشأ عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتنة هي أشد من المنكر الذي تنكره, أعفاك الشرع من أن تنكره بيدك, فإن لم تستطع أن تنكره بلسانك, أعفاك الشرع من أن تنكره بلسانك, بقي أن تنكره بقلبك, وهذا أضعف الإيمان.
أضرب لكم مثلاً بسيطاً: أخ تزوره بنت أخته, أو بنت أخيه, بثياب لا تليق, أكثر الأعمام يستقلبها, ويرحب بها, ولا ينصحها إطلاقاً, هي شابة صغيرة, حينما لا ترى إلا الترحيب, والتكريم, وعمها لا ينصحها, تتوهم أن هذا اللباس مقبول ولا شيء عليه, أما حينما ينصحها, في المرة القادمة تحاول أن تأتي إليه بثياب أكثر حشمة, على الأقل حينما تأتي إليه , ثم لعل هذه الثياب المحتشمة تصبح ثيابها المستمرة, كلفته كلمة, أن يقول لها: لا يا فلانة, هذا اللباس لا يرضي الله, وأنت من أسرة محافظة, وأبوك له سمعة بين الناس, هذه كلمة واحدة؛ أما يرى المنكر ولا ينكره, نرى الانحراف ولا نذكره, نرى الخطأ ولا نقومه, عندئذ يعمنا الله بالهلاك.
والحديث المعروف: "لما ربنا عز وجل أرسل ملائكة لإهلاك قوم, فقالوا: يا رب, إن فيهم رجلاً صالحاً!! قال: به فابدؤوا, قالوا: ولم؟ قال: لأنه كان لا يتمعر وجهه إذا رأى منكراً".
وهذا النموذج شائع جداً؛ لا يحكي, ولا يتكلم, ولا ينصح, ضعيف, يصلي كل فرض في الجامع, أما بناته فكاسيات عاريات, يقول لك: أصلحهم الله, الآن وقت شبابهم, لديهم فترة للإصلاح إن شاء الله, لا يدخل, ولا يتكلم, ولا يعترض, ولا يأخذ موقفاً, أما لو مصالحه تهددت, المادية تهددت, فيصبح كالوحش المفترس, لأن مصالحه تهددت, أما إذا انتهكت حرمات الله عز وجل فلا يتأثر, لذلك قال: "به فابدؤوا". والآية الدقيقة:
﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾
لو قال: صالحون لما أهلكهم, فأهل القرية الصالحون يهلكهم الله عز وجل, أما أهل القرية المصلحون لا يهلكون، فلذلك الله عز وجل جعل بني إسرائيل يستحقون الهلاك قال:
﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ﴾
الآن مجاملات, مجاملات, لا يوجد دين إطلاقاً, يُوصف بأنه ذكي, ولبق, وفهيم, ومعدل, وشاطر, ومعشر, ومؤنس, هو فاسق, فاجر, صار هناك قيم مزورة.
والطفل عندما يسمع مديحاً, والرجل لا يصلي، طفل بريء يسمع أباه يمدح شخصاً, ذهبوا مشوار؛ لا صلى الظهر, ولا العصر, ولا المغرب, ولا العشاء, وقال أبوه: هذا إنسان جيد جداً, ولطيف, واجتماعي, ولبق, هذه كلها كلمات ليس لها معنى, هذا الذي لم يعرف الله عز وجل أساساً.
أمانة التكليف أساس كل أمانة :
في درس من دروس الجمعة أو الخطبة ذكرت أن هناك أمانة تكليف, هي أخطر أمانة, أي الله عز وجل وضع نفسك أمانة بين يديك, وقال لك:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾
أي أطلق يدك فيها, واجعلها تابعة لك, فإذا زكيتها أي عرفتها الله, وحملتها على طاعته, وطهرتها من كل دنس, وجعلت صبغتها صبغة الله عز وجل فقد زكيتها؛ إن زكيتها أفلحت ونجحت, وإن لم تزكها خبت وخسرت, هذه الأمانة؛ أمانة التكليف أساس كل أمانة, أمانة الواجب فرع من أمانة التكليف, أمانة الولاية فرع من هذه الأمانة, أمانة الزوجية فرع من هذه الأمانة.
فالإنسان إذا خان نفسه, وقصر في حمل الأمانة, فلأن يخون نفسه من باب أولى, شيء طبيعي جداً؛ لا تنتظر من إنسان غير دين أن يكون صادقاً, لا تنتظر أن يكون أميناً, أحيانا يكون أميناً إذا توافقت مصالحه مع الأمانة, أما إن لم تتوافق خان, وخاب, وخسر.
إذاً:
(( من رأى منكُم منكراً فلْيُغَيِّره بيده))
أي إذا الشخص أنفق على ابنته وتفلتت, وقال: أنا أنصحها, لا, هذه ابنتك, وأنت ولي أمرها, وأمرها بيدك, ونفقتها بيدك، فهنا: لا تقل لي: والله أنا نصحتها.
((...فلْيُغَيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))
قضية الامتحان لا بد منها :
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال:
((بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم- دقق الصحابة بايعوا النبي- على السمع والطاعة، في العُسر واليُسر))
هناك إنسان بالرخاء ممتاز, أما بالشدة فإنسان آخر, الجودة في الرخاء لا قيمة لها.
سيارة قلت له: جربها فقط في الهبوط, في الهبوط حفظك الله, هذه ليست تجريب, كل مركبة في الهبوط تمشي بلا محرك, الدراجة تمشي, أسوأ مركبة تنزل في الهبوط, التجريب في الصعود وليس في الهبوط, التجريب عند الشدة, فلذلك: قضية الامتحان لا بد منها.
(( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، في العُسر واليُسر- أنت ببحبوحة, وأنت بضائقة مالية, وأنت صحيح, وأنت مريض, وأنت في إقبال الدنيا, وأنت في إدبارها, وأنت في قوتك, وأنت في ضعفك, مريض-, في المنْشَط، والمكْرَه وعلى أثَرَةٍ علينا - أي بايعنا النبي أعطانا, أو لم يعطنا- على أثرة علينا, وألا ننازع الأمر أهله, إلا أن تروا كفراً بواحاً, عندكم من الله فيه برهان, وعلى أن نقول الحق أينما كنا, لا نخاف في الله لومة لائم))
هكذا يقول عليه الصلاة والسلام.
جالس يزيد, أو معاوية بن أبي سفيان, جمع كبراء قومه, ليأخذ البيعة لابنه يزيد, وكلهم تكلموا في حق يزيد, وأثنوا عليه, كما هي العادة، جالس الأحنف بن قيس, سكت, وبقي صامتاً, سكوته أربك المجلس, وصار هناك إحراج, قال له: تكلم يا أحنف, قال له: أخاف الله إن كذبت, وأخافكم إن صدقت.
فكان تلميحاً أبلغ من تصريح المؤمن, لا يخاف في الله لومة لائم.
التسبيح و التحميد و التكبير و التهليل خير ما يتصدق به الفقراء :
وعن أبي ذر رضي الله عنه, أن ناساً قالوا:
((ذهبَ أهل الدُّثُورِ بالأُجُورِ، يصلُّون كما نصلِّي، ويصومون كما نصومُ، ويتصدَّقون بفُضولِ أموالهم، قال: أوَلَيْسَ قد جَعلَ الله لكم ما تَصَدّقون به؟ فإن بكلِّ تسبيحة صدقة، وكلِّ تكبيرة صدقة، وكلِّ تحميدة صدقة، وكلِّ تهليلة صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة))
الأغنياء ظنوا أن عندهم إمكانيات يتصدقون, وعندهم أموال طائلة فيتصدقون, ويرقون عند الله, الفقراء ماذا لهم؟
قال له:
((بكلِّ تسبيحة صدقة، وكلِّ تكبيرة صدقة، وكلِّ تحميدة صدقة، وكلِّ تهليلة صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة))
الحديث التالي أروع ما قاله النبي في شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
أما أروع ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام في شأن الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر فهذا الحديث يقول عليه الصلاة والسلام:
((مَثَلُ القَائِم في حُدُودِ اللَّه والْوَاقِع فيها، كَمثل قَومٍ اسْتَهَموا على سَفِينَةٍ، فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا، وبعضُهم أَسْفلَهَا، فكان الذي في أَسفلها إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَنْ فَوقَهمْ، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا في نَصِيبِنَا خَرقاً ولَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنا؟ فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا وهلكوا جَميعاً، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعا))
هناك تعبير حديث: يقول لك: نحن في قارب واحد, لا يوجد حل وسط, نحن أمة واحدة, مجتمع واحد.
لكن إذا أراد شخص أن يفسد, أنت تعيش مع مجتمع, فسادك ينتشر؟ فالإنسان يعيش في مجتمع, فإذا فسد انتشر هذا الفساد, وإذا صلح انتشر هذا الصلاح, فنحن في سفينة واحدة.
والمثل بليغ جداً, أناس أخذوا الأسفل, أناس أخذوا الأعلى, والسفينة تمشي في ماء عذب, حتى نكون دقيقين: فمن أجل الشرب الذين في الأسفل لا بد من أن يصعدوا إلى سطح السفينة, ليأخذوا الماء بالدلو من المياه العذبة, وجدوا أن هذا الشيء فيه مشقة, وفيه إزعاج, قالوا: نحن نحفر مكان جلوسنا ثقباً صغيراً, نأخذ منه الماء العذب, معنى هذا أن السفينة كلها غرقت، قال:
(( فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا وهلكوا جَميعاً، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعا))
فاترك في بالك هذه النقطة: نحن في قارب واحد.